أذهب يوميًا لأقل ابنتي من مدرستها وقت الظهيرة. أتجنب الوقوف بجانب المدرسة كي لا أعلق في الزحام الذي يتشكل وقت الخروج مثل الجلطة. ولذا اتخذت الشارع الجانبي المقابل للمدرسة أقف فيه وأمشي وأنتظر تحت الشمس، خروج ابنتي ثم نجري إلى السيارة طلبًا لبرودة المكيف (برد الله عليكم جميعًا).
كنت أقف في أول الأيام للناحية الأقرب للمدرسة، ولكن مع مرور الوقت بدأ غيري في اكتشاف الشارع اللطيف، ويومًا بعد يوم بدأ التسابق على الوقوف في الشارع الجانبي، وبدأت الجلطات الزحامية تتكرر على الناحيتين. لم أتنازل عن شارعي، وصرت أقف على الطرف الأبعد من المدرسة ففي النهاية “كلها دقيقتين مشي”
ثم بدأت الفوضى…
مع مرور الأيام زاد عدد السيارات وبدأ التكدس يزيد من حولي. وكم من مرة أرجع مع ابنتي للسيارة ونجدها مطوقة بالسيارات بشكل يمنعني من الخروج لحين عودة أصحابها الكرام، وهو ماكان يسبب لي قلقًا، فما زال علي أن أذهب لأقل ولدي من الحضانة، ولكن وبفضل “أصحاب الطوق” المحيطين بي أضطر للانتظار إلى أن يشرفنا أحدهم بحضوره ويؤشر لي “برفع كفه في الهواء ملحوقًا بطبطبةٍ صدره” تعبيرًا عن أسفه (اللاعميق)، ومن ثم يفسح لي لأخرج لأسرح في الشارع متجهًا للحضانة.
اكتشفت أن أصحاب الطوق ليسوا سبب تعاستي وكدري…
مشكلتي كانت في “وقوفي النظامي” كي لا أضيق على الناس وأتسبب في جلطة مرورية. وكنت أوقف سيارتي بمحاذة الرصيف بعيدًا وبعيدًا عن المخارج لأسمح لغيري بالاستفادة من الطريق، كما أن وقوفي كان في الاتجاه الذي سأخرج إليه كي لا يتسبب التفافي بأي ضائقة لأحد (ولأكسب الوقت).
نفترض أن اتباع الخطوات الصحيحة، ينتج عنه نتيجة إيجابية، ولكن حين يأتي من يعاكس كل النظم “وتزبط معاه” فهو بداية للنقمة ودعوة لاتباع نفس المنهج. الحل بسيط. بدل التصرف “كبني آدم” علي التحول إلى “همجي” (مايكرو-همجي)
علي أن “أتغدى بيهم قبل ما يتعشوا فيا”…
قررت منذ اليوم أن أقف بشكل مائل، وبزاوية خنفشارية، تجعل من الوقوف بجانبي معضلة رياضية. لن أقف قريبًا من الرصيف. سأبتعد عنه مترًا “وشوية” معطيًا نفسي مساحة للمناورة في حالة قام أصحاب الطوق بالالتفاف علي بالقوة. وحتى لو لم ينجح مخططي لنغرق في الفوضى! (محدثكم ثمود جيفارا)
أعرف في قرارة نفسي أني سأقف بشكل نظامي في اليوم التالي والذي بعده (بس يمكن الي بعده لا!). فأنا غلبان وأحب النظام (أو لعله الجبن). لكن هذه التجربة اليومية (على صغرها) قد تعتبر مدخلًا لتشكل الفوضى في أتفه صورها بسبب الغضب، أو دعوة للتدرب على الصبر وكتم الغيض.
لست وحدك يا أستاذ ثمود، الصبر ثم الصبر ثم الصبر. عاينت في ما مضى من نفس المشكلة، لكن الحمد لله كبر الأولاد و صاروا يذهبون و حدهم للمدارس. الحمد لله.